مثّل افتتاح نظام ضغط تحت سطح البحر، الذي سجّل رقمًا قياسيًا عالميًا، في النرويج في أغسطس 2025 نقلة نوعية في مجال الهندسة. ومع ذلك، ووفقًا للرئيس التنفيذي لشركة OneSubsea، مادس هيلميلاند، ومدير المشروع في شركة Shell، ريتشارد كريشتون، فإن نجاحه يعتمد على عامل رئيسي واحد: التعاون الوثيق بين شركة Shell المشغلة وتحالف التوصيل المكون من OneSubsea وSubsea7 وAker Solutions.
وُضعت هذه الثقافة التعاونية موضع الاختبار النهائي في أوائل عام ٢٠٢٣، في منشأة اختبار على جزيرة هورسوي، الواقعة خارج بيرغن. هنا، اجتمع فريق الهندسة لأول تشغيل كامل الطاقة لنظام الضغط تحت سطح البحر "أورمن لانج المرحلة الثالثة". كانت هذه لحظة محورية في هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات، وتتويجًا لخمس سنوات من العمل المكثف منذ منح العقد في أكتوبر ٢٠١٩. تم توصيل محطة ضغط ضخمة، تبلغ سعتها ٨٠٠ طن، مغمورة في حفرة اختبار، بجهاز محاكاة مصمم لمحاكاة مسافة ١٢٠ كيلومترًا من محطة الغاز البرية في نيهامنا.
قال مادس هيلميلاند، الرئيس التنفيذي لشركة OneSubsea: "كان مستوى التوتر في الغرفة مرتفعًا للغاية بينما كنا نستعد للضغط على الزر لأول مرة. وعندما ضغطنا ولم يحدث شيء، ازداد القلق".
أصبحت تلك اللحظة المتوترة رمزًا لمشروع أورمن لانج المرحلة الثالثة. كان الحل - تشخيص خلل برمجي وإصلاحه - شهادةً ليس فقط على إنجاز هندسي قياسي عالمي، بل على ثقافة تعاونية يعتقد هيلميلاند أنها كانت أساسية لنجاح المشروع. أدى العمل التحضيري الذي وُضع خلال ذلك الاختبار البري إلى بدء تشغيل سلس للغاية في البحر، وهو نجاحٌ أكد عليه ريتشارد كريشتون، مدير مشروع شل في مشروع أورمن لانج المرحلة الثالثة. قال: "عندما أجرينا التشغيل النهائي، استغرق الأمر 20 يومًا فقط من بدء تشغيل الضواغط حتى الوصول إلى طاقتها الكاملة، وهو أمرٌ استثنائيٌ حقًا".
ريتشارد كريشتون، مدير المشروع في شركة أورمن لانج، شل (المصدر: شل)
التحدي الحتمي
لطالما كان حقل أورمن لانج، ثاني أكبر حقل غاز في النرويج، حجر الزاوية في إمدادات الطاقة الأوروبية لأكثر من عقدين. ومع ذلك، وبعد سنوات من الإنتاج، انخفض ضغط المكمن الطبيعي باستمرار، مما زاد من صعوبة استخراج كميات الغاز المتبقية. وقد شكّل هذا تحديًا كبيرًا لشركة شل وون سابسي وشركائهما: كيفية تعظيم الاستخراج وإطالة عمر أحد أصول المياه العميقة الحيوية.
صدر هذا التفويض من الحكومة النرويجية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مما يعكس نهجًا استشرافيًا لإدارة الموارد. وعندما تمت الموافقة على الخطة الأولية لتطوير وتشغيل الحقل، تضمنت شرطًا محددًا يقضي ببذل المشغل قصارى جهده لتحقيق أقصى قدر من الاستخراج. وصرح هيلميلاند: "تم تحديد الضغط تحت سطح البحر كمتطلب عندما حان الوقت المناسب". وعندما حان الوقت، تم تقييم مفهومين رئيسيين: منصة عائمة تقليدية ونظام ضغط متطور تحت سطح البحر. وبعد تقييمات دقيقة، خلصت شركة شل وشركاؤها إلى أن خيار الضغط تحت سطح البحر هو الأفضل، إذ يعد بمعدل استخراج أعلى، وكفاءة طاقة أعلى، وتكلفة استثمار أكثر ملاءمة.
كسر الجوز "المستحيل"
كان التحدي التقني الأبرز للمشروع هو مسافة الانطلاق البالغة 120 كيلومترًا، والتي سجّلت رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا لنقل الطاقة إلى نظام ضغط تحت سطح البحر. وصرح هيلميلاند قائلًا: "كانت أطول مسافة قطعناها سابقًا باستخدام أنظمة مماثلة حوالي 35 كيلومترًا"، مضيفًا أن البعض في القطاع أبدى تشككًا كبيرًا خلال مرحلة التحقق المبكرة. واستذكر قائلًا: "كان هناك من قال آنذاك إن هذا مستحيل".
تمثلت النقطة المحورية في كابل الطاقة والتحكم، ووضع محرك التردد المتغير (VFD) على بُعد 120 كيلومترًا من المحرك وأدوات التحكم فيه. ولتجنب هذه المخاطر، بنى التحالف جهاز محاكاة كامل النطاق للكابل وربطه بالنظام البحري الفعلي لإجراء اختبارات برية مكثفة. وصرح هيلميلاند قائلاً: "هذه قدرة فريدة تمنحنا الثقة لإخبار شركائنا بأنه حتى لو كانت التكنولوجيا جديدة، يمكننا التحقق منها معًا". ووصف هذا الإنجاز بأنه لحظة "الهبوط على سطح القمر" في المشروع، إذ أثبت أن المستحيل ممكن بالفعل.
مادس هيلميلاند، الرئيس التنفيذي لشركة OneSubsea (Credit: OneSubsea)
السلامة النفسية كانت المفتاح
في حين أن هذه التقنية كانت رائدة، أكد هيلميلاند أن نجاح المشروع يعتمد بالقدر نفسه على إطاره التعاوني. ففي مواجهة تحديات غير متوقعة، مثل جائحة كوفيد-19 والاضطرابات الجيوسياسية، عمل التحالف بين وان سابسي، وشل، وسابسي 7، وأكر سوليوشنز كفريق واحد متكامل.
ما أود التأكيد عليه حقًا هو الجانب "الناعم" للتعاون، كما صرّح هيلميلاند. منذ البداية، وضع الشركاء منصة واضحة لكيفية عملهم معًا، متجاوزين بذلك العلاقة التقليدية بين العميل والمقاول.
كانت إحدى الأدوات الرئيسية التي قدمتها شركة شل هي "عقلية المتعلم".
أوضح ريتشارد كريشتون، مدير مشروع شل، الذي دافع عن هذه الفلسفة، قائلاً: "مع تطور الأحداث أو وقوعها، نأخذ زمام المبادرة ونتعلم منها. هذا هو جوهر التعاون بأكمله". وأضاف أن الهدف هو بناء مستوى عالٍ من الثقة بحيث تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الشركات في نهج "فريق واحد" حقيقي. وصرح كريشتون: "في النهاية، لا يمكنك التمييز بين من يعمل لدى شل ومن يعمل لدى وان سابسي. وهنا يأتي التعاون الحقيقي".
كان هذا أساسًا للسلامة النفسية، أي ضمان قدرة أعضاء الفريق على الإبلاغ عن الأخبار السيئة دون تدقيق أو خوف من اللوم. وأشار كريشتون إلى أن "لعبة اللوم حول سبب عدم نجاح أمر ما لم تكن لتنجح". وشاركه هيلميلاند هذا الرأي، مؤكدًا: "أعتقد أن جزءًا كبيرًا من النجاح يعود إلى قدرتنا على كسر الحواجز في الإطار التجاري ومشاركة المعلومات بانفتاح". وأضاف: "لا أعتقد أننا كنا لننجح لولا هذا التعاون".
معيار جديد
منذ اللحظة العصيبة للاختبار الأولي الفاشل في هورسوي، تُوّج المشروع بافتتاح سلس في 26 أغسطس 2025. وقد أرسى هذا النجاح معايير جديدة في هذا المجال. إنه أول مشروع معالجة تحت سطح البحر في العالم يُلغي تمامًا الحاجة إلى بناء وصيانة منصة، وهو حلٌّ حقيقيٌّ لنقل الطاقة من تحت سطح البحر إلى الشاطئ. علاوةً على ذلك، تُسجّل مسافة انطلاقه البالغة 120 كيلومترًا من الشاطئ رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا لنقل الطاقة إلى نظام ضغط تحت سطح البحر. من خلال توفير طاقة الضغط بالقرب من الخزان، تزيد هذه التقنية من معدل الاسترداد في ثاني أكبر حقل غاز في النرويج من 75% إلى 85%، وهو معدل عالمي. وهذا يُتيح توفير ما بين 30 و50 مليار متر مكعب إضافية من الغاز، وهو ما يكفي لتزويد جميع المنازل في مدينة بحجم برشلونة بالطاقة، ويمكن أن يُولّد ما يصل إلى 70 مليار كرونة نرويجية كإيرادات إضافية للدولة النرويجية.
تعمل المنشأة بالطاقة الكهرومائية النرويجية وتُعالَج في نظام مغلق، وتتميز أيضًا بواحدة من أقل البصمات الكربونية لكل وحدة طاقة في العالم. ويمثل إرث المرحلة الثالثة من مشروع أورمن لانج أداةً فعّالة قابلة للتكرار عالميًا.
اختتم هيلميلاند حديثه قائلاً: "الدرس الأول هو التكنولوجيا. المعالجة تحت سطح البحر ذات قيمة هائلة. أما الدرس الثاني فهو أسلوب العمل الجديد - بالشراكة، بعقلية المتعلم. إن تطبيق هذا الدرس معنا، إلى جانب محفظتنا التكنولوجية، يجعل المستقبل واعدًا للغاية".
استكشف الإصدار الأخير من مجلة Offshore Engineer التي تضم مقالة "الضغط تحت سطح البحر وهبوط أورمن لانج على سطح القمر" بقلم جوزفين سبيرو، والعديد من المقالات الأخرى التي يقدمها خبراء الصناعة والصحفيون الرائدون.